يوم الاثنين الماضي، تعرض عامل المزارع البنجابي ساتنام سينغ لإصابات بالغة في حادث مروع بمزرعة إيطالية، وبعدها تركه مشرف العمل لينزف حتى الموت. وتكشف هذه الحادثة المأساوية عن مدى الوحشية التي يتعرض لها العمال المهاجرون العاملين في الزراعة الإيطالية، حيث يتم التعامل مع حياتهم وكأنها بلا قيمة.
في التاسع عشر من يونيو، عمَّ الحداد بعد أن حصدت المافيا الزراعية الإيطالية آخر ضحاياها، وهو العامل المهاجر ساتنام سينغ البالغ من العمر واحدًا وثلاثين عامًا. والذي توفي في المستشفى الروماني، بعد يومين من قطع ذراعه وكسر ساقيه في حادث مأساوي، حيث كان يعمل على تشغيل آلة زراعية في مزرعة بالقرب من لاتينا، وهي منطقة تشتهر باستغلال عمالة من المهاجرين. وتقع هذه المنطقة على بعد خمسين ميلًا جنوب روما. وكان هو وزوجته سوني يعملان في المنطقة دون عقد عمل منذ عام 2021، حيث كانا يزرعان البطيخ مقابل أجر زهيد لا يتجاوز 4 يورو في الساعة. وقد ساعدت تصرفات مشرفه اللاحقة في ضمان عدم حصول ساتنام على الرعاية الطبية التي يستحقها.
في وقت وقوع الحادث، كان ساتنام قد أمضى بالفعل اثنتي عشرة ساعة متواصلة في العمل. وعندما تسبب عطل في الآلة بإصابته البالغة، منع البادرون الإيطالي (البادرون تعني حرفيًا "المالك" كما يحب أن يطلق عليهم أرباب العمل في المنطقة، وهو مصطلح يذكرنا بالتبعية الإقطاعية) جميع العمال من الاتصال بالطوارئ، وصادر هواتفهم. وبدلًا من طلب الإسعاف على الفور، نُقل ساتنام وزوجته المنتحبة في شاحنته لمسافة طويلة، ثم ألقى بهما في منزلهما المتواضع. وفي مشهد مروع، كانت ذراع ساتنام المقطوعة موضوعة في صندوق فاكهة. وهرب البادرون تاركًا الضحية وزوجته لمواجهة مصيرهما، متجاهلًا تمامًا خطورة الإصابات التي لحقت بساتنام. لو كان قد اتصل بالإسعاف في الوقت المناسب، لربما تمكن الأطباء من إنقاذ حياة ساتنام، ولكنه فضّل الهروب لتجنب المساءلة القانونية عن توظيف عاملين دون عقود عمل ودون توفير الحماية اللازمة لهم.
أثارت وحشية تصرفاته اللاإنسانية رعبًا واسع النطاق، وأعاد ذلك النقاش العام إلى قضية السخرة الجماعية الكابورالاتو (caporalato)، وهي ممارسة تؤثر على جميع العمال المهاجرين تقريبًا في الزراعة الإيطالية، كما تم توثيقها جيدًا لسنوات عديدة من قبل الباحثين والناشطين في لاتينا وخارجها. وكُرّر المطلب الحالي الذي يركز على "مكافحة طاعون الكابورالاتو"، والذي يروج له سياسيو الحكومات الحالية والسابقة، خلال الإضرابات التي نظمها الاتحاد العام الإيطالي للعمل، والاتحاد الإيطالي للنقابات، واتحاد العمال الإيطالي في لاتينا خلال الأسبوع الماضي لدعم ساتنام سينغ وجميع العمال المستغلين. وأصرت عمدة مدينة لاتينا - وهي عضو في حزب فراتيلي دي إيطاليا ( Fratelli d’Italia) بزعامة جورجيا ميلوني، التي دعيت للتحدث على المنصة في كلتا المظاهرتين - على أن "الكابورالاتو هو شكل من أشكال العبودية التي لا تنتمي إلى ثقافتنا ومدينتنا وأمتنا: وعلى هذا النحو، يجب القضاء عليها". وتبنّت تعبير مَجازي للاعتذار مألوفًا عن كون الإيطاليين "أناسًا طيبين" (brava gente).
إن التركيز الحصري على "الكابورالاتو" يمكن أن يكون مضللًا. فهو يوحي بشكل خاطئ بأن مشكلة استغلال العمالة تؤثر فقط على المهاجرين غير الشرعيين وهي في الأساس من فعل عدد قليل من أرباب العمل الأشرار ووسطائهم الجشعين الذين لا يرحمون، أو "الكابورالي"، الذين غالبًا ما ينتمون إلى نفس المجموعة العرقية التي ينتمي إليها المهاجرين. ومع ذلك، هناك قصة أكثر تعقيدًا تختبئ وراء مشكلة "الكابورالاتو" في سوق العمل الإيطالية. إنها مشكلة الإطار القانوني والسياسي والثقافي بأكمله، مما يجعل اللجوء إلى "الكابورالي" خيارًا حتميًا لكل من أصحاب العمل والمهاجرين.
في إيطاليا، تطلب سياسة الهجرة الانتقائية المتزايدة التي تغذيها الدعاية السياسية حول "لاستبدال العرقي" والخوف من الأجانب، المستحيل من المهاجرين من خارج الاتحاد الأوروبي (EU) الذين يهدفون إلى العمل والاستقرار في البلاد. وفي الواقع لا توقف هذه المطالب الهجرة، ولكنها تُبقي أولئك الذين يصلون إلى إيطاليا ويبقون فيها عرضة للاستغلال، مما يمنح أصحاب العمل والوسطاء سلطة غير متناسبة. وقد تعلم هؤلاء تحويل عيوب التشريعات الإيطالية إلى أرباحهم الخاصة، حيث طوروا أعمالًا تزدهر من استغلال الآلاف من الرجال والنساء من البنجاب وخارجها والاحتيال عليهم.
في البداية، تشترط الدولة الإيطالية على العمال المهاجرين المحتملين أن يكونوا مكفولين من قبل صاحب عمل. وعند الوصول، تربط حصولهم على تصريح الإقامة (ومعها الوضع القانوني) باشتراط إبرام عقد عمل رسمي مع صاحب العمل الكافل لهم. ويدفع المتقدمون رسومًا أولية تتراوح بين 10 آلاف يورو إلى 20 ألف يورو للكابورالي الذي يقوم بترتيب الاتفاق ويتقاسم الأموال مع أصحاب العمل المحليين.
وغالبًا ما ينظر المهاجرون إلى الكابورالي على أنهم وسطاء ومساعدون وليسوا متاجرين بالبشر - كما يتضح من كلمة "وكيل" المحايدة التي تستخدم للإشارة إليهم. ويُنظر إلى هؤلاء "الوكلاء" على أنهم مقدمو خدمة يعتمد سعرها، مثل أي خدمة أخرى، على قوانين العرض والطلب. وبالتالي فهي تختلف أيضًا مع مرور الوقت: فإذا كانت 5 آلاف يورو قبل خمسة عشر عامًا تكفي للوصول إلى جنوب أوروبا (مما جعل إيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان في متناول البنجابيين الأكثر فقرًا والأقل تعليمًا الذين يعملون هنا في الغالب كعمال غير مهرة على عكس الولايات المتحدة والمملكة المتحدة)، فقد تضاعفت الرسوم الآن ثلاث مرات على الأقل. وبما أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية في البنجاب لا تزال تزداد سوءًا، فإن الرغبة في الهجرة لا تزال تتزايد على الرغم من ارتفاع التكاليف، حتى لو كان ذلك يعني الاقتراض أو بيع الأملاك. وهذا الدين، بدوره، يُثقل كاهل المهاجرين وعائلاتهم التي تركوها وراءهم - مما يلقي بظلال من الشك على الدور المشهور الذي تلعبه التحويلات المالية العابرة للحدود الوطنية في تنمية مجتمعات المهاجرين الأصلية.
وبمجرد وصول المهاجرين البنجاب إلى إيطاليا، فغالبًا ما يتخلف أصحاب العمل عن إصدار العقود الموعودة، ويتعرض المهاجرون لمطالبات مالية إضافية تتراوح عادة بين 5 آلاف و15 ألف يورو لتحويل التأشيرة إلى تصريح عمل فعلي. وبعد انتهاء صلاحية تأشيرة العمل التي مدتها تسعة أشهر، إذا لم يتمكن المهاجرون من الحصول على عقد عمل نظامي، يصبح وضعهم تلقائيًا "غير نظامي" (وهو ما يعاقب عليه قانون بوسي-فيني لعام 2002 باعتباره جريمة جنائية ويمكن أن يؤدي إلى طردهم من البلاد). ويدخلون في مأزق التبعية المطلقة لمستغليهم وخضوعهم لهم. وهم مثقلون بالديون التي عقدوها مع المرابين والبنوك لدفعها للوكلاء والكابورالي، ومع عدم وجود طرق قانونية للتقدم بطلب مستقل للحصول على تصريح من داخل البلاد، فإنهم مجبرون على قبول أي وكل الشروط للبقاء في إيطاليا وسداد قروضهم. إن ضعفهم - الذي تفاقم بسبب الحواجز اللغوية، وعزلتهم في الريف، وغياب دعم الدولة للاندماج، وجهلهم بحقوقهم، والبيروقراطية الغامضة والبطيئة والمعقدة بشكل غير مفهوم - يمنعهم من الإبلاغ عن مستغليهم خوفًا من الانتقام العنيف، أو فقدان مصدر دخلهم الوحيد، أو مواجهة العواقب القانونية، أو الطرد.
وبالتالي، فإن فرصة البادروني والكابورالي لاستغلال العمال المهاجرين وإساءة معاملتهم تنطوي على القانون نفسه. وهو مدعوم بشكل غير مباشر بحملات سياسية وثقافية تهدف إلى تجريم الهجرة وإضفاء طابع أمني عليها بدلًا من حماية حقوق الإنسان وحقوق العمل للمهاجرين. إن وصف صاحب عمل ساتنام بالوحش (على الرغم من أنه قد يكون وحشًا) هو مخرج سهل: إن إلقاء اللوم على الأفراد السيئين دائمًا ما يحول الانتباه عن القوى الهيكلية التي تسمح لهم بممارسة سلطاتهم في المقام الأول.
إن وفاة ساتنام ليست حادثًا ناتجًا عن "تشتت انتباه" العامل أثناء تشغيل الآلة أو حتى قسوة صاحب العمل. بل هي نتيجة نظام قانوني وسياسي وثقافي ينتهك حقوق الإنسان الأساسية، ويجبر المهاجرين على العمل في ظل ظروف استغلالية للغاية، ويحولهم إلى مورد قابل للتصرف يتم استخراجه ورميه بعيدًا عند استنفاد قوته. وفي إيطاليا اليوم، هناك قوى منهجية متداخلة ترسخ وتشوه وتكسر العمال المهاجرين، وتتركهم للموت كما فعلت الآلة وصاحبها بجسد ساتنام.
بصفتي باحثة دكتوراه تدرس المجتمع البنجابي في مقاطعة لاتينا، فقد قابلت في السنوات الثلاث السابقة للحادثة مئات الرجال والنساء الذين كانوا في نفس وضع ساتنام وسوني: يعملون فوق طاقتهم، ويتقاضون أجورًا زهيدة، ويتعرضون للاستغلال، والتمييز، ولا يحملون أية وثائق. لقد استمعت إليهم وهم يروون قصصهم عن سوء المعاملة - رافعين شكاواهم، ولكنهم أيضًا مستسلمون بما يكفي ليصفوا هذا الوضع بأنه "طبيعي".
لهذا السبب، فإن الحزن العميق على وفاة ساتنام ليس السبب الوحيد الذي يدفعني للكتابة فحسب، بل أيضًا الغضب والخجل والرغبة في التحدث علنًا ضد الظلم الذي لاحظته. فأنا أكتب من أجل جاغديش، البالغ من العمر ستة وثلاثين عامًا، الذي كسر إصبعه في العمل وطلب منه رئيسه أن يكذب في المستشفى، قائلًا إن ذلك حدث في المنزل، إذا أراد استعادة وظيفته بمجرد أن يشفى. ومن أجل بالفير، البالغ من العمر ثمانية وأربعون عامًا، والذي سحق تحت حمولة من البطاطس في العمل وألقى به صاحب العمل عند المنزل في منتصف الليل، حيث أخذته زوجته وابنته البالغة من العمر عشر سنوات إلى المستشفى، وقادا سيارتهما عبر حقول بونتين المظلمة. ومن أجل بارديب البالغ من العمر ثمانية وعشرين عامًا، الذي دفع - تاركًا زوجته وأطفاله وراءه - 16 ألف يورو للقدوم إلى إيطاليا ولا يريد الآن سوى العودة إلى الهند في أقرب وقت ممكن، لأن "الناس هنا يريدون فقط استغلالك وأخذ أموالك". فهو يعمل عشر ساعات يوميًا في حصاد البطيخ مقابل 2 يورو في الساعة، والآن انتهت تأشيرته وطالبه صاحب العمل بدفع 5 آلاف يورو لإصدار عقد عمل له لتسوية أوضاعه. وأكتب من أجل دالجيت، البالغة من العمر خمسة وأربعين عامًا، والتي كسرت ظهرها أثناء عملها في مزرعة للفطر منذ عشر سنوات، وبعد أن تجرأت على الإبلاغ عن ذلك، لا تزال تنتظر التعويض. ومن أجل صديقي سانديب، البالغ من العمر خمسة وعشرون عامًا، والذي يعمل ثلاث عشرة ساعة يوميًا في قطف الكوسا، وهو الوحيد في الفريق الذي لا يملك عقدًا، والأكثر اجتهادًا في العمل، والأكثر طيبة؛ وقد "مازحه" رئيسه بالأمس بأنه إذا أصيب مثل ساتنام، فسوف يجعل زملاءه يلقونه في القناة القريبة. لكنها ليست بمزحة.
عانت البنجاب خلال القرن الماضي من أزمات اقتصادية وسياسية وبيئية واجتماعية متكررة في أعقاب تقسيم الهند بعد الاستقلال وتحرير اقتصادها، مما دفع أعدادًا متزايدة من البنجابيين إلى الهجرة. وكما وجدت دراسة حديثة أجرتها جامعة البنجاب الزراعية في البنجاب، فإن 74% من إجمالي الهجرة من البنجاب بين عامي 1990 و2022 حدثت في السنوات الست الأخيرة فقط من تلك الفترة. وتحتل البنجاب اليوم المرتبة الثانية بين الولايات الهندية في معدل الهجرة منها. وأصبحت مقاطعة لاتينا جنوب روما - وهي مركز رئيسي للإنتاج الزراعي في وسط وجنوب إيطاليا – هي الوجهة الأكثر شعبية للمهاجرين البنجابيين (سبع من البلديات العشر الأولى في إيطاليا من حيث عدد السكان الهنود المسجلين تقع في مقاطعة لاتينا، وفقًا لوكالة الإحصاءات العامة "Istat").
يكمن عامل الجذب الخاص لمقاطعة لاتينا في الطلب الكبير على العمالة في القطاع الزراعي ووجود مجتمع بنجابي راسخ منذ الثمانينيات. ويعتمد قطاع الأغذية الزراعي المزدهر في المنطقة (كما ذكر لأول مرة عالم الاجتماع ماركو أوميزولو، أحد أوائل وأشرس منتقديها) على شبكة دولية للإتجار بالبشر لتوفير قوة عمل متجددة باستمرار من العمال المهاجرين الموسميين لاستغلالهم في الحقول من أجل تعظيم الأرباح والحفاظ على تكاليف الإنتاج منخفضة بما يكفي لتكون قادرة على المنافسة في سوق الاتحاد الأوروبي. وتشمل هذه الشبكة أصحاب العمل والمهنيين الإيطاليين، والكابورالي والوسطاء الإيطاليين والأجانب، وأحيانًا مسؤولين فاسدين في المؤسسات العامة.
ويؤدي العديد من العمال البنجاب أعمالًا يدوية شاقة، حيث يقومون بقطف وتعبئة الفواكه والخضروات لمدة تتراوح بين اثنتي عشرة إلى أربع عشرة ساعة في اليوم أو أكثر، ستة أو سبعة أيام في الأسبوع، دون أي حماية أو تأمين. ويحصلون مقابل ذلك على أجور أقل بكثير من مستوى المعيشة. ويتم استقدامهم عبر مجموعة على تطبيق واتساب من خلال رسالة يتم إرسالها مساء اليوم السابق، تشير إلى الوقت والمكان الذي يجب أن يتجمعوا فيه صباح اليوم التالي، والذي يتم الوصول إليه عن طريق ركوب الدراجات لمسافات طويلة وخطيرة على الطرق السريعة. وأولئك الذين لا يملكون تصاريح إقامة، مثل ساتنام وسوني، فسوف يعملون بدون عقود. أما أولئك الذين يحصلون على عقد عمل، فعادةً ما يحصلون عليه لمدة لا تزيد عن بضعة أشهر، وبالتالي يظلون عرضة لأهواء أصحاب العمل. وتضعهم هذه الظروف في حالة من عدم الاستقرار الهيكلي: لا يقتصر الأمر على أن أرباب العمل يدفعون لهم رواتب أقل ويبقونهم تابعين تحت تهديد عدم إصدار عقد جديد لهم - مما يعرض إقامتهم القانونية للخطر - ولكن كتابة عقود موسمية وقصيرة الأجل فقط تعفي أرباب العمل من ضمان حصول العمال على مزايا الرعاية الاجتماعية، مثل الإجازات المدفوعة الأجر أو الإجازات المرضية، والتي لا يحصل عليها أي منهم. بل إن العديد منهم لا يدركون حتى أنهم يستحقون الحصول على أجر عند المرض أو الإجازة: فعندما ينتهي موسم الحصاد وينتهي عقدهم، يقال لهم ببساطة "من الغد، أنتم أحرار" - وهي "حرية" تعني أنهم لن يحصلوا على عمل ولا مال. ففي شيك الراتب، دائمًا ما تكون ساعات العمل المسجلة أقل بكثير من ساعات العمل المنجزة بالفعل، حتى يتمكن صاحب العمل من توفير الضرائب بينما يحصل العمال على اشتراكات تقاعدية أو إعانات بطالة أقل. وغالبًا ما يكون الدفع بالقطعة، على الرغم من أن العقود تشير رسميًا إلى راتب شهري يتماشى مع الأجر المتفاوض عليه في عقد العمل الوطني الجماعي (CCNL). وغالبًا ما يؤدي هذا الطلب لإنتاج المزيد من الإنتاج لكسب المزيد وإلى استغلال العمال لأنفسهم - وأحيانًا إلى استهلاك المخدرات، مثل المواد الأفيونية والميثامفيتامين (بتواطؤ من الأطباء والصيدليات الفاسدة)، لتخفيف آلام العمل المفرط ودفع أجسادهم إلى ما وراء حدود التعب.
هكذا يشكلون جيشًا احتياطيًا ضخمًا من العمالة المهاجرة، جيشًا يُستغل ويُستهلك بلا هوادة. ويُجبر جنود هذا الجيش على الطاعة العمياء، مهما كانت الأوامر مؤذية لهم أو للآخرين. فهذا التوفر المستمر للعمالة يضعف من شوكة العمال الآخرين والنقابات، ويحبط أي محاولة لتحسين الأجور أو الظروف المعيشية. إن النظام الرأسمالي الاستثماري هذا، بقدرته على تشجيع الانقسام والتفتيت، يقوض التضامن حتى بين أبناء القرية الواحدة. فالكل يخشى الآخر ومن "حسده" المزعوم، ويراه منافسًا، بل عدوًا وعائقًا أمام بقائه. وهنا تكمن المأساة، إذ نسمع عن تردد زملاء ساتنام في الشهادة خوفًا من فقدان وظائفهم. فإلى أي مدى وصل بهم اليأس لقبول مثل هذه الظروف القاسية حتى بعد أن علموا بأنهم إذا أصيبوا بأذى فسوف يتركوا ليموتوا؟ إلى أي مدى فقدوا الأمل في حياة أفضل؟
وتشير حالات انتحار العمال الزراعيون البنجاب تحت وطأة الديون واليأس - مثل حالة جوبان سينغ البالغ من العمر خمسة وعشرين عامًا الذي انتحر عام 2020 - إلى العواقب المدمرة لهذا النظام الإجرامي للاستغلال والاتجار بالبشر. إن هذا الانتحار، والوفاة التي وقعت تهمنا جميعًا اليوم. فإنه يمسنا عندما نستهلك بلا تفكير الطعام الرخيص المنتج من خلال استغلال وإساءة معاملة منهجية للرجال والنساء الذين يظلون غير مرئيين ومضطهدين. إنه يمسنا في إيطاليا التي تفشل بشكل منهجي في حماية أكثر العمال ضعفًا من القوى المتعددة التي تخنقهم وتقسمهم وتقتلهم في النهاية. إيطاليا دولة يعلن دستورها أنها "جمهورية ديمقراطية مبنية على العمل". لكنها تتجاهل نفس العمال الذين تعيد رعاية أطفالهم وعملها في الحقول إنتاج الحياة نفسها.
آنا ماريا لوديني، عالمة أنثروبولوجيا وباحثة دكتوراه في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، إيطاليا.