"من أجل هزيمة اليمين المتطرف، يجب على اليسار أن يكون متشددًا"

يناقش نائب الرئيس البوليفي السابق ألفارو غارسيا لينيرا المشهد السياسي والاجتماعي في أمريكا اللاتينية.
يزعم ألفارو جارسيا لينيرا أنه من أجل هزيمة التيار اليميني الجديد، يجب على التقدمية واليسار بَدْء حل المشاكل الاقتصادية للأغلبية، وفهم خريطة العمل غير الرسمي الجديدة في أمريكا اللاتينية عن حق.

عقب رحلته إلى كولومبيا لافتتاح الدورة الفكرية "Imaginar el futuro desde el Sur" (تخيُّل المستقبل من الجنوب)، التي نظمتها وزارة الثقافة الكولومبية والفيلسوفة لوسيانا كاداهيا، تحدّث نائب الرئيس البوليفي السابق، ألفارو غارسيا لينيرا، مع جاكوبين حول السيناريو السياسي والاجتماعي الذي تمر به أمريكا اللاتينية في هذه "المرحلة الانتقالية" أو مرحلة خلو العرش التي سنتعمق فيها على مدى السنوات العشر أو الخمس عشرة المقبلة، حتى توطيد نظام عالمي جديد. وفي أثناء هذا الظلام المزعزع، هبّت حركات تيار اليمين المتطرف الشنيعة، التي تُعَد إلى حدٍ ما نتاج حدود التقدمية. وفي المرحلة الجديدة، يرى لينيرا أن التقدمية يجب أن تتبنى، من ناحية، جرأة أكبر من أجل الاستجابة، نتيجة مسؤوليتها التاريخية، للمطالب العميقة الموجودة في قاعدة الدعم الشعبي، ومن ناحية أخرى، لإيقاف نداءات التحذير من التيار اليميني الجديد. وهذا يعني المضي قدمًا في إصلاحات عميقة في مجالات الملكية والضرائب والعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة واستعادة الموارد المشتركة لمصلحة المجتمع. ويرى لينيرا أنه سيُمكن حصر اليمين المتطرف في مجالاته الخاصة بهذه الطريقة فقط، أي البدء في تلبية المطالب الاقتصادية الأساسية للمجتمع والتقدّم في التحول الديمقراطي الحقيقي.

تمارا أوسبينا بوسي (TOP)

بدأ القرن الحادي والعشرون بموجة من الحكومات التقدمية في المنطقة والتي أعادت توجيه مسار أمريكا اللاتينية، لكن بدأت تلك الديناميكية بعد فوز ماوريسيو ماكري في الأرجنتين عام 2015، مما دفع الكثيرين إلى التنبؤ بنهاية التقدمية الإقليمية. وهكذا بدأت موجة من الحكومات المحافظة، ولكن على عكس ذلك الاتجاه، عادت التقدمية إلى بلدان مثل البرازيل أو هندوراس أو بوليفيا. و تمكنت من الوصول إلى السلطة لأول مرة في بلدان أخرى، مثل المكسيك وكولومبيا. كيف تقرأ هذا التوتر الحالي بين الحكومات الشعبية أو التقدمية والحكومات المحافظة أو الأوليغارشية؟

ألفارو غارسيا لينيرا (AGL)

إنَّ ما يميز الفترة التاريخية من 10 إلى 15 سنة مضت وحتى الوقت الحاضر هو التراجع البطيء والمحزن والمتناقض لنموذج التنظيم الاقتصادي وإضفاء الشرعية على الرأسمالية المعاصرة، فضلاً عن غياب نموذج جديد قوي ومستقر يستأنف النمو الاقتصادي والاستقرار وإضفاء الشرعية السياسية. نتحدث عن مدة طويلة استمرت 20 أو 30 عامًا، يكمن في داخلها ما نسميه "المرحلة الانتقالية" - وهي ما أسماها جرامشي "مرحلة خلو العرش" - حيث تتلاحق موجات وموجات مضادة من محاولات الاستقرار المتعددة هباءًا.

شهدت أمريكا اللاتينية موجة تقدمية مكثفة وعميقة، والآن يشهد العالم أيضًا، لأن أمريكا اللاتينية كانت سبّاقة في ما حدث لاحقًا في كل مكان. ومع ذلك، فشلت تلك الموجة في التماسك، وأعقبتها موجة تراجعية محافظة مضادة، أعقبتها موجة تقدمية جديدة. فمن المحتمل أنه خلال السنوات الخمس إلى العشر القادمة، ستستمر غالبًا تلك الموجات الجديدة والموجات المضادة من الهيمنة والهزائم والانتصارات القصيرة في الظهور حتى يصيغ العالم نموذج جديد من الحشد والشرعية التي سيُعطي نفسه وأمريكا اللاتينية دورة جديدة من الاستقرار على مدى الأعوام الثلاثين التالية. وطالما لم يحدث هذا، فسوف نشهد هذه الدوامة من المراحل الانتقالية. وكما كنت أقول، فإن المرء يشهد موجات تقدمية منهكة، وإصلاحات محافظة مضادة تفشل أيضًا، ومن ثم موجة تقدمية جديدة… ويختلف كل إصلاح مضاد عن الأخر وكل موجة تقدمية عن الأخرى. فرئاسة ميلي تختلف عن رئاسة ماكري مع بعض التشابهات الجزئية. ويختلف ألبرتو فرنانديز وغوستافو بيترو وأندريس مانويل لوبيز أوبرادور عن مرجعيات الموجة الأولى، ومع ذلك، لهم نصيب من ميراثها. وأعتقد أننا سوف نستمر في رؤية موجة ثالثة وموجة مضادة ثالثة إلى أن يُحدد النظام العالمي عند نقطة ما، فلا يُمكن استمرار الاضطراب والمعاناة. في نهاية المطاف، كما حدث في الثلاثينيات والثمانينيات، ما نراه هو الانحدار الدوري لنظام الحشد الاقتصادي (الليبرالي بين عامي 1870 و1920، ورأسمالية الدولة بين عامي 1940 و1980، والليبرالية الجديدة بين عامي 1980 و2010)، والفوضى التي أحدثها هذا السقوط التاريخي، والنضال من أجل إرساء نموذج جديد ودائم لهيمنة الحشد التي تستأنف النمو الاقتصادي والتماسك الاجتماعي.

تمارا أوسبينا بوسي (TOP)

يمكننا أن نرى أن اليمين يُعيد تطبيق ممارسات كنا نظن أنها ولّت، بما في ذلك الانقلابات والاضطهاد السياسي ومحاولات القتل… حتى أنت تعرضت للانقلاب. كيف سيستمر تطور تلك الممارسات في رأيك وكيف يمكننا مقاومتها من خلال المشروعات الشعبية؟

ألفارو غارسيا لينيرا (AGL)

المعتاد بالمرحلة الانتقالية ومرحلة خلو العرش هو الاختلاف بين النخب السياسية. فعندما تسير الأمور على ما يرام - كما كان الحال حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين - تتقارب النخب حول نموذج واحد للحشد وإضفاء الشرعية. ومن ثم يصبح الجميع وسطيين. حتى اليسار يلين ويميل إلى الليبرالية الجديدة، على الرغم من أنه سيكون هناك دائمًا يسار راديكالي ولكن هامشي، دون جمهور. ويتقاتل اليمين فيما بينه أيضًا، ولكن فقط من أجل البدائل والتعديلات الظرفية. وعندما يدخل مرحلة الانحدار التاريخي الحتمي، تبدأ الخلافات وينقسم اليمين إلى تيارات يمين متطرفة. ويبدأ ذلك اليمين المتطرف في أكل اليمين المعتدل. وتنبثق تيارات اليسار الأكثر تطرفًا من تهميشها وضآلة أهميتها السياسية. حيث تبدأ في اكتساب التجاوب والشعبية، وتبدأ النمو. ففي مرحلة خلو العرش، يصبح تباين المشروعات السياسية هو القاعدة، حيث توجد عمليات البحث، والانشقاق، لحل أزمة النظام القديم، وسط مجتمع ساخط وفاقد للثقة، ولم يعد يؤمن بالآلهة القديمة، ولا بالوصفات القديمة، ولا بالأطروحات القديمة التي كفلت التسامح الأخلاقي تجاه الحكام. وبعد ذلك، تقوى التيارات المتطرفة.

وهذا ما سنراه مع التيار اليميني. ولم يعد يمين الوسط، الذي حكم القارة والعالم مدة ثلاثين أو أربعين عامًا، يملك الحل للفشل الاقتصادي الواضح للعولمة الليبرالية. وفي خضم شكوك الناس ومخاوفهم، يظهر اليمين المتطرف الذي يواصل الدفاع عن رأس المال، ولكنه يعتقد أن الأخلاق الحميدة التي كانت سائدة في العصر القديم لم تعد كافية. وأن قواعد السوق يجب الآن أن تُفرض بالقوة. وهذا يعني ترويض الناس، ولو بضربهم، إذا لزم الأمر، من أجل العودة إلى سوق حرة نقية وشريفة، دون تنازلات ودون غموض، لأن ذلك -بحسبهم- كان سبب الفشل. وهكذا، يميل هذا اليمين المتطرف إلى الترسيخ وكسب المزيد من الناشطين من خلال الحديث عن "السلطة" و"صدمة السوق الحرة" و"اختزال الدولة". وإذا حدثت انتفاضات اجتماعية فلا بد من استخدام القوة والإكراه. وإذا لزم الأمر، يمكن القيام بانقلاب أو ارتكاب مذبحة لتأديب الضالين الذين يعارضون العودة الأخلاقية إلى "السلوكيات القويمة" المتمثلة في المشروعات الحرة والحياة المتحضرة. حيث تطبخ النساء، ويتولى الرجال المسئولية، ويتخذ أرباب العمل القرارات، ويعمل العمال في صمت. ويتجلى أحد أعراض الانحدار الليبرالي عند فقد القدرة على الإقناع أو الإغواء واللجوء إلى فرض الأمور، مما يعني ضمنًا أنهم فعلًا في سنوات زوال سطوتهم. ومع ذلك، فإن هذا لا يقلل من خطورتها بسبب الراديكالية الاستبدادية التي تفرضها.

وفي أثناء ذلك، لا يمكن للتقدمية واليسار أن يتصرفا بطريقة متعالية، في محاولة لإرضاء جميع الفصائل والقطاعات الاجتماعية. لقد خرج اليسار من التهميش في المرحلة الانتقالية لأنه يقدم نفسه بديلًا شعبيًا للكارثة الاقتصادية التي سببتها الليبرالية الجديدة للشركات. ولا يمكن أن تكون وظيفتهما تنفيذ الليبرالية الجديدة ذات "الوجه الإنساني" أو "الخضراء" أو "التقدمية". فالناس لا يخرجون إلى الشوارع ويصوتون لليسار لتزيين الليبرالية الجديدة. إنهم يتحركون ويغيرون وجهات نظرهم السياسية السابقة بشكل جذري لأنهم سئموا الليبرالية الجديدة. ويرغبون في التخلص منها، لأنها لم تزد ثراءًا سوى عدد قليل من العائلات وعدد قليل من الشركات. وإذا لم يحقق اليسار تلك الرغبة وتَعَايَشَ مع نظام يجعل الناس أكثر فقرًا، فمن المحتم أن يغير الناس تفضيلاتهم السياسية بشكل جذري نحو منفذ يميني متطرف يُقدم طريقة (وهمية) للخروج من هذا الشقاء الجماعي العظيم.

إذا أراد اليسار ترسيخ نفسه، فيتعين عليه أن يستجيب للمطالب التي نشأ من أجلها. وإذا أراد حقًا هزيمة اليمين المتطرف، فيتعين عليه العمل بطريقة بنيوية على حل مشكلة الفقر في المجتمع، وانعدام المساواة، وتداعي الخدمات، والتعليم، والصحة، والإسكان. ولتحقيق تلك الغاية، يتعين عليه أن يكون جذري في إصلاحاته فيما يتصل بالملكية، والضرائب، والعدالة الاجتماعية، وتوزيع الثروة، واستعادة الموارد المشتركة لمصلحة المجتمع. إن الخوض في هذا العمل سوف يُغذّي قانون الأزمات الاجتماعية: فأي موقف معتدل في مواجهة شدة الأزمة قد يشجع ويغذي التطرف. وإذا فعل التيار اليميني ذلك، فإنه يغذي التيار اليساري. وإذا فعل التيار اليساري ذلك، فإنه يغذي اليمين المتطرف.

لذلك، فإن الطريق لهزيمة اليمين المتطرف وتقليصه إلى مكانة معينة - والتي ستظل موجودة، على الرغم من عدم أهميتها الاجتماعية - تكمن في توسيع الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي تُترجم إلى تحسينات مادية واضحة ومستدامة في الظروف المعيشية للأغلبية الشعبية في المجتمع. ويجب أن يتجه نحو ديمقراطية أكبر للقرارات، وديمقراطية أكبر للثروة والممتلكات، بطريقة يتم فيها الاحتواء. كل هذا يجب أن يتم بطريقة لا يكون فيها احتواء اليمين المتطرف بمجرد خطاب، بل مدعوم بسلسلة من الإجراءات العملية لتوزيع الثروة التي تحل المخاوف والمطالب الشعبية الرئيسية (الفقر، التضخم، الهشاشة، انعدام الأمن، الظلم). لأننا يجب ألا ننسى: أن اليمين المتطرف هو رد فعل ضال على تلك المخاوف. ومن المؤكد أنه كلما وُزِعت المزيد من الثروة، كلما تأثرت امتيازات الأقوياء، لكنهم سوف يبقون أقلية في الدفاع المسعور عن امتيازاتهم. وفي الوقت نفسه، سوف يتعزز اليسار بصفته الجهة التي تهتم بالاحتياجات الأساسية للشعب وتُلبّيها، لكن كلما تصرفت تلك الحركات اليسارية أو التقدمية بخوف وخجل وغموض فيما يتعلق بحل المشاكل الرئيسية للمجتمع، كلما نما تيار اليمين المتطرف، وستُعزل التقدمية نتيجة خيبة الأمل من عجزها. لذا، في هذه الأوقات، يُهزم اليمين المتطرف بمزيد من الديمقراطية وتوزيع أكبر للثروة. لا مع الاعتدال ولا مع المصالحة.

تمارا أوسبينا بوسي (TOP)

هل هناك عناصر جديدة في تيار اليمين الجديد؟ وهل يصح أن نسميهم فاشيين؟ أم يجب أن نسميهم شيء آخر؟ فهل ينظم اليمينيون مختبرًا لما بعد الديمقراطية في القارة (بما في ذلك الولايات المتحدة)؟

ألفارو غارسيا لينيرا (AGL)

لا شك أن الديمقراطية الليبرالية، بصفتها مجرد بديل للنخب التي تقرر نيابة عن الشعب، تتجه حتمًا نحو أشكال من الاستبدادية. وإذا كانت قادرة في بعض الأحيان على تحقيق نتائج الديمقراطية الاجتماعية، فإن ذلك كان بسبب تعزيز أشكال ديمقراطية عامة أخرى ظهرت في وقت واحد: الشكل النقابي والتجاري، وشكل المجتمع الزراعي، والشكل العام للجماهير الحضرية. وتلك الإجراءات الجماعية متعددة الأشكال للديمقراطية أعطت الديمقراطية الليبرالية ازدهارًا عالميًا. وكان هذا ممكنًا لأنه كان يتم دائمًا تجاوزه ودفعه للأمام، لكن إذا تُركت الديمقراطية الليبرالية كما هي، مجرد اختيار الحكام، فإنها تميل حتمًا إلى تركيز القرارات، وللتحول لما أسماه شومبيتر مجرد انتخابات تنافسية لأولئك الذين سيقررون نيابة عن المجتمع، وهو شكل استبدادي لحصرية صنع القرار. وعملية صنع القرار الاحتكارية تلك تكون من خلال وسائل استبدادية، وإذا لزم الأمر، تتجاوز إجراءات اختيار النخبة، مما يميز اليمين المتطرف. ولذلك، لا يوجد عداء بين اليمين المتطرف والديمقراطية الليبرالية. فهناك تواطؤ في الخلفية. ويمكن لليمين المتطرف أن يتعايش مع هذا النوع من الديمقراطية النخبوية البحتة التي تدعم الديمقراطية الليبرالية. ولهذا السبب ليس غريبًا أن يصلوا إلى السلطة عن طريق الانتخابات، لكن ما تتسامح معها الديمقراطية الليبرالية هامشياً وعلى مضض، وما يرفضها اليمين المتطرف علناً، هي أشكال أخرى من الديمقراطية، تشمل وجود ديمقراطيات شعبية (النقابات العمالية، والمجتمعات الزراعية، وتجمعات الأحياء، والعمل الجماعي...). فهم يعارضونها ويرفضونها ويُعدونها عائقًا. وفي هذا الصدد، فإن اليمينيين المتطرفين اليوم مناهضون للديمقراطية. إنهم يقبلون فقط أن يكونوا هم المنتخبين للحكم، لكنهم يرفضون الأشكال الأخرى من المشاركة وإضفاء الطابع الديمقراطي على الثروة. ويرون ذلك إهانة لهم أو مظلمة أو شيء سخيف يجب محاربته بالقوة والانضباط القسري.

والآن بعد كل ذلك، هل هذه فاشية؟ من الصعب تحديد ذلك. وهناك جدل أكاديمي وسياسي متزايد حول ما يمكن أن ندعو هذا الاتجاه وما إذا كان الأمر يستحق التذكير بالأعمال الفاشية الرهيبة التي وقعت في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. وقد تصبح تلك الاستطرادات ذات معنى في سياق القيمة الأكاديمية، لكن تأثيرها السياسي ضئيل للغاية. ففي أمريكا اللاتينية، قد يكون لدى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا ذكريات عن الدكتاتوريات العسكرية الفاشية وقد يؤثر تعريفها عليهم، لكن بالنسبة للأجيال الجديدة فإن الحديث عن الفاشية ليس له نفس التأثير. أنا لا أعارض هذا النقاش، لكني لا أرى جدواه. ففي النهاية، لن يرتبط الالتحام الاجتماعي، أو رفض طرق اليمين المتطرف، بالرموز القديمة والصور التي تثيرها، بل بفاعلية الاستجابة للقلق الاجتماعي الحالي الذي يعجز اليسار عن التغلب عليه.

ربما تكون أفضل طريقة لتصنيف هؤلاء اليمينيين المتطرفين، بما يتجاوز هذه التسمية، هي فهم نوع الطلب الذي يستجيبون له، والذي يختلف بالطبع عما في الثلاثينيات والأربعينيات، على الرغم من وجود بعض أوجه التشابه بين تلك الأوقات والأزمنة الحالية مثل سمة الأزمات. أنا شخصياً أفضل الحديث عن اليمين المتطرف أو اليمين الاستبدادي؛ لكن إذا استخدم شخص ما مفهوم الفاشية، فلن أعترض، مع أنني لست تواقًا لاستخدامه أيضًا. وقد تنشأ المشكلة إذا وُصف تيار اليمين منذ البداية بالفاشية، وغض النظر عن نوع المطلب الجماعي الذي يستجيب له أو نوع الفشل الذي خرج منه. لذلك، قبل التصنيف والبحث عن إجابات دون أسئلة، من الأفضل أن نسأل عن الظروف الاجتماعية المحيطة بصعوده، ونوع الحلول المقترحة، وعندما يحين وقت الإجابة على تلك الأسئلة، يمكنكم وقتها اختيار التصنيف المناسب: فاشي، فاشي جديد، استبدادي…

على سبيل المثال، هل من الدقيق القول إن رئاسة ميلي فاشية؟ ربما، لكن عليك أولاً أن تسأل نفسك لماذا فاز، ومن صوّت له، وما هي الأسباب. لأن هذا هو ما يهم. إضافةً إلى ذلك، يجب أن تسأل نفسك ما الذي فعلته للمساهمة في تلك النتيجة. ففي أيامنا هذه، من الأفضل أن نسأل أنفسنا هذا السؤال بدلاً من أن نضع تسمية سهلة تحل مشكلة الرفض الأخلاقي ولكنها لا تساعدنا على فهم الواقع أو تغييره. لأنه إذا أجبت بأن ميلي استدعى معاناة مجتمع الفقراء، فمن الواضح أن القضية هي الفقر. وعندما كان يتحدث ميلي مع شاب بأنه ليس له حقوق، فهذا يعني أن هناك جيلًا لم يتمكن من الحصول على الحقوق التي كان يتمتع بها الناس في الخمسينيات أو الستينيات أو عام 2000. وهنا تكمن المشكلة التي يجب على التقدمية واليسار معالجتها لكبح جماح اليمين المتطرف والفاشية.

ومن الضروري الكشف عن المشاكل التي تدفع اليمينيين المتطرفين إلى مساءلة المجتمع لأن نموهم أيضًا أحد أعراض فشل اليسار والتقدمية. إنهم لا يأتون من فراغ، ولكن فقط بعد أن فقدت التقدمية الجرأة، والقدرة، والبصيرة، وفهم الطبقة والشباب المزعزع، ولم تدرك معنى الفقر والاقتصاد على حساب حقوق الهوية. وهذا هو ما يهم في الوقت الحاضر. وهذا لا يعني أنك لا ينبغي أن تتحدث عن الهوية، بل يتعين عليك بدلاً من ذلك أن تعطي الأولوية لفهم أن المشكلة الأساسية تكمن في الاقتصاد، والتضخم، والأموال التي تتسرب من جيوب الناس. ولا يمكننا أن ننسى أن الهوية ذاتها تنطوي على بُعد من أبعاد القوة الاقتصادية والسياسية، وهو ما يحدد في نهاية المطاف مصير التبعية. وفي حالة بوليفيا، على سبيل المثال، تم الاعتراف بهوية السكان الأصليين من خلال توليها السلطة السياسية أولاً، ثم تدريجيًا تولي السلطة الاقتصادية داخل المجتمع. إن الرابط الاجتماعي الأساسي للعالم الحديث هو المال، وهو رابط اجتماعي منفر ولكنه لا يزال أساسيًا، وينزلق بعيدًا عنك ويمحو كل معتقداتك وولاءاتك. هذه هي القضية التي يجب أن يعالجها اليسار وأن تعالجها التقدمية. وأعتقد أن على اليسار التعلّم من إخفاقاته والتأسيس لمنهاج سياسي من أجل إيجاد أشخاص مؤهلين للتنديد أو تصنيف بعض الظواهر السياسية، كما يفعلون في تلك الحالة مع اليمين المتطرف.

تمارا أوسبينا بوسي (TOP)

وبالعودة إلى المشروعات الشعبية، ما هي أبرز التحديات التي تواجه التقدمية لتجاوز تلك الأزمات وتلك الإخفاقات التي كنت تتحدث عنها؟ وهل عاد اليمين المتطرف الآن فقط لأنه لم يتمكن من فهم أو تفسير مطالب المواطنين بشكل دقيق؟

ألفارو غارسيا لينيرا (AGL)

اليوم، المال هو المشكلة الاقتصادية والسياسية الأساسية والكلاسيكية والتقليدية في عصرنا. وفي أوقات الأزمات، الاقتصاد هو الحاكم. ويجب التغلب على تلك المشكلة أولاً ثم العمل على الباقي. وهذا هو الوقت التاريخي الذي تظهر فيه التقدمية واليمين المتطرف، ويتراجع يمين الوسط الليبرالي الحديث والكلاسيكي والتقليدي والعالمي. لماذا؟ بسبب الاقتصاد. الاقتصاد يحكم عالمنا. يجب أن تتغلب التقدمية واليسار والاقتراحات القادمة من المواطنين على هذه القضية في المقام الأول، لكن المجتمع الذي تغلب على مشكلاته الاقتصادية في بعض الدول مع الموجة التقدمية الأولى في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، يختلف عن مجتمعنا الحالي. لقد أعطى اليسار الأولوية دائمًا لقطاع الطبقة العاملة الرسمية بأجر، واليوم الطبقة العاملة غير الرسمية غير معروفة للتقدمية. إن مجال العمل غير الرسمي في مفهوم "الاقتصاد الشعبي" لا يعرفه جيدًا جزء من اليسار، حيث لا يعرفه ولا يفهمه، وليس لديه خطط إنتاجية له سوى مجرد إجراءات إغاثية. وفي أمريكا اللاتينية، يشكل هذا القطاع 60% من السكان، وهو ليس تمثيلًا عابرًا يختفي لاحقًا ويصبح شكليًا. على الإطلاق، مستقبلنا الاجتماعي سيكون غير رسمي. وسيشارك ذلك العامل الصغير، والمزارع الصغير، ورائد الأعمال الصغير، والعامل غير الرسمي، الذي لديه عائلة وروابط محلية وإقليمية مثيرة للاهتمام، في الأحوال التي لا تكون فيها علاقات رأس المال والعمل واضحة كما هو الحال في شركة رسمية. وسوف يستمر هذا العالم للسنوات الخمسين القادمة وسيشمل معظم سكان أمريكا اللاتينية. فماذا يمكنك قوله لتلك الأشخاص؟ كيف سوف ترعى حياتهم، ودخلهم، ورواتبهم، وظروفهم المعيشية، ونمطهم الاستهلاكي؟

وهاتان القضيتان تشكلان مفتاح التقدمية المعاصرة في أمريكا اللاتينية واليسار: حل الأزمة الاقتصادية من خلال النظر في الاقتصاد غير الرسمي، الذي يشمل أغلب السكان العاملين في أمريكا اللاتينية. فماذا يعني هذا؟ ما هي الأدوات المستخدمة؟ ولا شك أنها المصادرة والتأميم وتوزيع الثروة وتوسيع الحقوق وما إلى ذلك. هذه هي الأدوات، ولكن الهدف يتلخص في تحسين الظروف المعيشية والنسيج الإنتاجي لنحو 80% من السكان، المنتمين إلى نقابات وغير المنتمين إلى نقابات، الرسميين وغير الرسميين، والذين يشكلون القطاع الشعبي في أمريكا اللاتينية. وزيادة مشاركة المجتمع في صنع القرارات. الناس يريدون أن يُسمعوا؛ ويريدون المشاركة. أما القضية الرابعة فهي بيئية: العدالة البيئية مع العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وعدم الفصل بينهما وعدم تفضيل أحدهما على الآخر.

تمارا أوسبينا بوسي (TOP)

أنت هنا في كولومبيا لحضور سلسلة من المحادثات التي نسقتها الفيلسوفة لوسيانا كاداهيا لصالح وزارة الثقافة. ما هي التغييرات التي يمكنك رؤيتها هنا مع انتصار الميثاق التاريخي وقيادة جوستافو بيترو وفرانسيا ماركيز؟ وهل تعتقد أن كولومبيا تقود التقدمية في المنطقة؟

ألفارو غارسيا لينيرا (AGL)

بالنظر إلى الخلفية التاريخية لكولومبيا المعاصرة، حيث تم اغتيال جيلين على الأقل من المقاتلين الاجتماعيين والناشطين اليساريين أو نفيهما، وحيث حاصرت الجماعات شبه العسكرية الأشكال القانونية للعمل الجماعي، وحيث حاولت الولايات المتحدة خلق ليس فقط قاعدة عسكرية على مستوى الدولة، ولكنها أيضًا محور للاستقطاب الثقافي، فمن البطولي أن يفوز مرشح يساري في الانتخابات. وبالطبع، عندما تشعر بالعطش القوي الذي نشأ في الأحياء والمجتمعات في أعماق كولومبيا، فإنك تفهم الانفجار الاجتماعي الذي حدث في عام 2021 والسبب وراء هذا النصر.

وحقيقة أن الانتصار الانتخابي التقدمي تسبقه تعبئة جماعية تمكّن من الاستعداد لإجراء تغييرات اجتماعية. ولهذا السبب، وعلى الرغم من القيود البرلمانية، أصبحت حكومة الرئيس بيترو الآن الأكثر تطرفاً في هذه الموجة التقدمية القارية الثانية.

إجراءان يضعان إدارة بترو في طليعة بقية رؤساء اليسار. فمن جهة، تطبيق الإصلاح الضريبي التصاعدي، أي الإجراء الذي يفرض ضرائب أعلى على من لديهم المزيد من المال. وفي معظم بلدان أمريكا اللاتينية الأخرى، المصدر الأكثر أهمية لعائدات الضرائب هو ضريبة القيمة المضافة، والتي من الواضح أنها تفرض ضرائب أعلى على من لديهم ثروة أقل.

ومن ناحية أخرى، التقدم المحرز في تحول الطاقة. ومن الواضح أنه لا يوجد بلد في العالم، ولا حتى البلدان الأكثر تلويثًا مثل الولايات المتحدة وأوروبا والصين، قد تتخلى عن الوقود الأحفوري بين عشية وضحاها. طُرحت بضعة عقود من التحول، وحتى بضع سنوات أخرى من الإنتاج القياسي لهذا النوع من الوقود. ومع ذلك، فإن كولومبيا، إلى جانب جرينلاند والدنمارك وإسبانيا وأيرلندا، هي الدول الوحيدة في العالم التي حظرت أي نشاط جديد للتنقيب عن النفط. والمثال الكولومبي أكثر أهمية، لأن في هذه الحالة تمثل صادرات النفط أكثر من نصف إجمالي صادرات البلاد، الأمر الذي يجعل هذا القرار أكثر جرأة وتقدميًا بالمقارنة بالآخرين.

ومن المؤكد أن هذه الإصلاحات استباقية وتُظهر الالتزام بالحياة، وتمهّد الطريق لتدابير تقدمية أخرى على المدى القصير.

ومع ذلك، لتستدِم هذه القرارات بمرور الوقت، وغيرها من القرارات التي تظل ضرورية لتهيئة الظروف اللازمة للمساواة الاقتصادية، لا ينبغي لنا إهمال التحسين المستمر لدخول الطبقات الشعبية الكولومبية، لأن أي عدالة مناخية دون عدالة اجتماعية لن تحقق شيء أكثر من حماية البيئة الليبرالية. وسيتطلب هذا الربط الدقيق للغاية بين الإيرادات التي ستتوقف الدولة عن تلقيها في السنوات التالية، مع عائدات جديدة سيتعين عليها أن تضمنها من خلال صادرات أخرى، وضرائب أعلى على الأغنياء، وتحسينات ملموسة في الظروف المعيشية للأغلبيات الشعبية.

تمارا أوسبينا بوسي (TOP)

أود أن أختتم حديثي معك بشرح الدور المحتمل لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في العالم. أو بالأحرى، ما هو الدور السياسي الذي يمكن أن نلعبه في سيناريو التحولات الجذرية مثل تلك التي نشهدها حاليا.

ألفارو غارسيا لينيرا (AGL)

في بداية القرن الحادي والعشرين، كانت أمريكا اللاتينية أول منطقة تشير إلى استنفاد دورة الإصلاحات الخاصة بالليبرالية الجديدة التي كانت قائمة على مستوى العالم منذ الثمانينيات. ومن هنا بدأ البحث عن نظام هجين بين الحماية التجارية والتجارة الحرة، والذي بدأ اختباره تدريجيًا بعد ذلك منذ عام 2018 وحتى يومنا هذا في الولايات المتحدة ومختلف الدول الأوروبية. ففي هذه المرحلة، على الرغم من الانتكاسات الكئيبة العرضية إلى الليبرالية القديمة قصيرة الأمد كما حدث في البرازيل مع رئاسة بولسونارو والأرجنتين مع رئاسة ميلي، فإن العالم يتجه نحو نظام جديد من الحشد والشرعية والذي سيحل محل العولمة الليبرالية الجديدة.

في هذه المرحلة، أصبحت القارة منهكة إلى حد ما لمواصلة قيادة الإصلاحات العالمية. فسوف يحتاج الانتقال لما بعد الليبرالية الجديدة إلى التقدم أولاً على نطاق عالمي حتى تتمكن أمريكا اللاتينية من تجديد قواها وتتمكن من استعادة زخمها الأولي. يلزم أولًا انتظار تغييرات عالمية أكبر، وبطبيعة الحال موجة جديدة من الإجراءات الجماعية العامة التي تُعدّل مجال التحولات المتخيلة والممكنة لظهور الجيل الثاني من الإصلاحات الهيكلية في مرحلة ما بعد الليبرالية الجديدة، أو حتى الإصلاحات الأكثر جذرية، التي تساعد على استعادة القوة التحويلية القارية. وطالما لم يحدث هذا، فسوف تتأرجح القارة بين أقطاب الانتصارات الشعبية القصيرة والانتصارات المحافظة القصيرة، وبين الهزائم الشعبية القصيرة والهزائم الأوليغارشية القصيرة بنفس القدر.

Available in
EnglishArabicFrenchGermanItalian (Standard)Portuguese (Brazil)Spanish
Author
Tamara Ospina Posse
Translator
Yasser Sweilem
Date
11.03.2024
Source
Original article🔗
Privacy PolicyManage CookiesContribution Settings
Site and identity: Common Knowledge & Robbie Blundell